نحن والجدار الأخير

حجم الخط
شهدت مدينة فانكوفر الكندية على مدار 3 أياماً متتالية بين 3 و 5 / مايو ، أيار الجاري ، مؤتمراً ناجحاً للشتات الفلسطيني في أمريكا الشمالية تحت شعار " العودة والتحرير " ، وكان للمرأة والشباب والمنظمات الطلابية دوراً قيادياً بارزاً في كل أعمال المؤتمر . كما عقدت عدة ورشات عمل جادة ومهمة تتصل بدور الشتات الفلسطيني ومسؤوليته في استنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية ودفعها إلى آفاق جديدة تعبر عن أصالة وعدالة القضية الوطنية الفلسطينية . وكان سؤال التمثيل السياسي الفلسطيني ومنظمة التحرير حاضراً وبقوة في نقاشات وحوارات المؤتمر، الأمر الذي يشير إلى تزايد الاهتمام الشعبي بسؤال المستقبل الجماعي والبنى التنظيمية المطلوب تحقيقها والتي يريدها الشتات الفلسطيني في إطار مشروع يجمع الكل، بتطبيق حق العودة وتحرير الشعب والأرض، وممارسة الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير فوق ترابه الوطني. *** لم يعد خافياً على أحد، أن مشروع تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1993 – 1994 كان منذ البدء مشروعاً أمريكياً إسرائيلياً وبتواطؤ عربي وتساوق فلسطيني رسمي، هدفه الأول كان تجريف وهدم المشروع الوطني الفلسطيني ومركباته الرئيسية، وتفريغ منظمة التحرير الفلسطينية من جوهرها إلى درجة يستحيل إصلاحها بل ودفعها إلى الموت السريري والتلاشي، أو تحويلها إلى أداة لتشريع الاحتلال إذ تضع " ختمها " على تصفية القضية والحقوق الفلسطينية . لقد نجحت " اسرائيل " في تأسيس السلطة التي أرادت ، بل وصل الأمر "بشمعون بيريز" أن يعلن فرحته ودهشته من سرعة انهيار المنظمة ومؤسساتها معتبراً أن " أوسلو " كانت أهم انجاز تحققه دولته منذ تأسيس الكيان عام 48 بل ويوازيه أو يفوقه من حيث المنفعة والانجازات الاسرائيلية على المستوى الاستراتيجي. واليوم، يقف الشعب الفلسطيني أمام مفترق طرق . فإما أن يواصل نضاله من أجل استعادة المنظمة وتحريرها من قبضة أوسلو واعتبارها كياناً فلسطينياً وانجازاً تاريخياً مهماً للشعب الفلسطيني يجب الحفاظ عليه، وإما أن يسير في طريق آخر يعيد من خلاله بناء حركته الوطنية الفلسطينية والأشكال التنظيمية المستقلة عن " فكرة " المنظمة وبناها الراهنة . أي بناء جبهة وطنية جديدة، و بآفاق مختلفة وفكر جديد . لكن بغض النظر عن الطريق الذي سيسلكه، فإن أهم عقبة تقف في طريقه هي السلطة الفلسطينية وضرورة تغيير وظيفتها ودورها، أو حلها، وهذا هو الاستحقاق الشعبي الفلسطيني الأول والمباشر: استعادة القرار الوطني. كل الشعب يقف على مفترق طرق . ولا بد من تحديد خياراتنا بوضوح ودقة . وأن لا نخاف من طرح الأسئلة الكبيرة الجارحة، على رأسها : هل م. ت. ف لا تزال ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني حتى بعد أن مزقت قيادتها العقد الذي حكم تلك العلاقة مع القضية وبعد شطب أهداف وجوهر الميثاق الوطني الفلسطيني وبعد أن بلعت السلطة الفلسطينية مشروع المنظمة، وقد قيل أنها " ذراع " للمنظمة، فصارت هي الجسم كله بينما تحولت منظمة التحرير إلى يافطة متروكة على قارعة الطريق، يتم استحضارها كما تستحضر العرافة أرواح وأشباح المجلس الوطني ولإضفاء الشرعية على ما هو تزويراً ونقضاً للحقوق..وكيف تكون ممثلاً شرعياً فيما كل الشعب خارج حسابات المنظمة ، عداك عن الأحزاب الحركات الشعبية والسياسية التي لا مكان لها الآن في المنظمة مثل حماس والجهاد الاسلامي وغيرهما من قوى .. إن منظمة التحرير اليوم باتت تستمد " شرعيتها "، أو ما تبقى منها، تستمدها من " المجتمع الدولي" و"الجامعة العربية "، وهذه الأطراف لا تبرهن على مدى أصالة هذا التمثيل وعلى هذه الشرعية ، بقدر ما تنتقص منها وتدين قيادة المنظمة أولاً، بل وتزيد من الشكوك الشعبية في إمكانية استعادة المنظمة . إن المصدر الوحيد للشرعية هو الشعب، فهو الوحيد القادر على منح صوته للمنظمة في العلن وتحت الشمس، كما فعل سابقاً، أو العكس . يسحب هذه الشرعية، وهو الآن بين مرحلتين.. إن أهمية الخروج الشعبي إلى الشارع ، في حيفا ويافا وعين الحلوة ورام الله وغزة والوحدات واليرموك ، وصولاً إلى البرازيل وتشيلي ، والمطالبة بوقف العبث ووقف المراهنة على خيار المفاوضات وطريق الأوهام، ليس من أجل تسجيل موقف سياسي بقدر ما هو استعادة لوحدة الشعب أولاً. وحدة القضية وحدة الأرض والمصير. وإذا كنا غير قادرين الآن على تحرير فلسطين، كما يقول غسان كنفاني، فإن واجبنا هو إعداد الجيل القادم للنصر، كما يؤكد الشهيد الأديب . وهذا وحده ما سيمنع بيع فلسطين وتصفية قضيتها أو تشويهها وحمايتها من خطر الشطب والتبديد. منظمة التحرير الفلسطينية، الآن ، هي مرجعية للفصائل الفلسطينية التي تشارك فيها وليست مرجعية للشعب الفلسطيني، بل هي لم تكن يوماً مرجعية للشعب وقد حدث خلطاً عجيباً في الماضي. فالشعب هوم مرجعية كل المرجعيات، ولا يستقيم أي تمثيل فلسطيني حقيقي دون صوت الشعب الفلسطيني الموحد، في كافة أماكن تواجده، وعلى امتداد وطنه وشتاته، ( وليس إجراء انتخابات في الضفة والقطاع) وهو الوحيد صاحب الولاية الأولى والأخيرة على قضيته ومشروعه ومستقبله، ولا زال قادراً على استئناف مشروعه التحرري النضالي والاستمرار بالتمسك بأهدافه الوطنية الكبرى التي لم ينجزها بعد. تمثل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والنهج الذي يهيمن في الساحة الفلسطينية اليوم وينفرد بالقرار السياسي، تمثل مصالح طبقة فلسطينية محددة صار لها مصالح وارتباطات خاصة مالية واقتصادية وسياسية مع الاحتلال والنظام الأردني، ولم يعد يعنيها مشروع العودة والتحرير. وهو الصراع القديم في إطاره وتناقضه الفلسطيني الداخلي، بين من يملك ومن لا يملك. بين المخيم وبين القصر، بين الفدائي وبين الباشا. وإلى أن يستعيد المخيم صوته وقراره فإننا سنظل نراوح في مكاننا ..مع ذلك نختم بالقول : التعامل مع شعبنا بوصفه مجموعات وجزر متناثرة لا حول لها ولا قوة، والتحدث باسمه والاتجار به، لن يكون إلا مرحلة مؤقتة في مسيرته نحو النصر، بل هذه الأسباب ذاتها التي ستجعله يثور ويستعيد تحديد الطريق واتجاه البوصلة الفلسطينية من جديد. ولا يمكن أن يشق طريقه اليوم في إقليم يغلي ويضطرب، إلا بطرد قيادة فلسطينية غير شرعية، تغتصب القرار السياسي وتضع الشعب ومستقبله وحقوقه في سوق المزاد العلني، وعلى كف عفريت صهيوني، كل يوم، وعلى عينيك يا تاجر ..