إسرائيل… سلام الآن… بل استيطان الآن

حجم الخط
أصدرت حركة سلام الآن الأسبوع الماضي تقريرها السنوى حول الاستيطان في الضفة الغربية والذي أشار إلى ارتفاع بنسبة عشرين بالمائة في وتيرة البناء الاستيطاني مع تركيز على القدس ومحيطها، وعدم استثناء البؤرالاستيطانية العشوائية التي تعتبر غير قانونية حتى وفق القانون الإسرائيلي نفسه. يمكن وضع التقرير في عدة سياقات وقراءته من زوايا مختلفة تتلاقى جميعها عند حكومة الاستيطان والمستوطنين الحكومة الأكثر تطرفاً وتشدداً في تاريخ إسرائيل والتي أوصلتها إلى العزلة والوضع الدولي الأسوا أيضاً حسب التعبير البليغ لزعيمة المعارضة تسيبي لفني. واضح أن ثمة تركيز استيطاني على القدس يلامس حد الهوس ويهدف إلى تهويد المنطقة المحيطة بالحرم الشريف، ووصل المستوطنات في محيطها ببعضها البعض ما يفصلها تماماً عن محيطها البشري والجغرافي في الضفة الغربية ويخلق وقائع تمنع تحولها إلى عاصمة فلسطينية ويفرغ أيضاً أي مفاوضات محتملة من جدواها ومحتواها. الأمر اللافت الآخر يتمثل بالسعي إلى توسيع وتطوير البؤر الاستيطانية العشوائية غير القانونية وفق التعريف الإسرائيلي الرسمي ما يعنى من ناحية عدم رغبة في الاصطدام مع المستوطنين أو حتى الأكثر تطرفاً منهم باعتبارهم الداعم الرئيس للائتلاف الحكومي الحالي، ومن ناحية أخرى عدم النية في إزالة هذه البؤر وفق الأوامر الصادرة عن محكمة العدل العليا وشق طرق التفافية وملتوية لشرعنتها والاستنتاج الأهم طبعاً يتمثل في عدم الرغبة في الانسحاب من الضفة الغربية التي تتواجد غالبية البؤر في عمقها الجغرافى وبعيداً عن الخط الأخضر الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 67 وتلك التي احتلت في العام 48. تؤكد المعطيات السابقة أن وجهة هذه الحكومة نحو الاستيطان وليس نحو التسوية أو السلام بأي حال من الأحوال أرقام حركة سلام الآن تضفي مصداقية على هذا الاستنتاج إضافة إلى التصريحات العلنية والتسريبات المتعمدة من أركان الحكومة والتي تشير إلى قناعة متجذرة لديهم بأن هذا الصراع غير قابل للحل وأن على إسرائيل إدارته بأقل تكلفة ممكنة حتى أن نائب رئيس الوزراء الجنرال موشيه يعلون تباهى بالنجاح في تصديق الإدارة الأمريكية لهذه القناعة أيضاً والتخلي بالتالي عن بذل الجهود لحل الصراع والاكتفاء بإدارته واحتوائه للحفاظ على لهيب منخفض لا يرتد سلباً على المصالح الأمريكية الإسرائلية المشتركة في المنطقة. المعطيات السابقة يجب أن تمثل القاعدة لاستنتاج فلسطيني رسمي يؤسس لتعاطي مختلف مع هذه الحكومة وسياساتها يلحظ الإقلاع عن المفاوضات بشكل نهائي أو في الحد الأدنى إلى حين الالتزام الإسرائيلي العلني بالشروط والمتطلبات الفلسطينية والدولية، وهو أمر مستحيل طبعاً ما يعني ضرورة بلورة توجهات واستراتيجيات مختلفة لإدارة الصراع وفق الخيار الذي تم التوافق حوله والمتمثل بالمقاومة الشعبية على جبهات ومستويات مركبة ومتعددة ميدانياً ودولياً، سياسياً إعلامياً قضائياً واقتصادياً لا يمكن الوصول إلى هذا الوضع برأيي دون إنهاء الانقسام وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أسس ديموقراطية شفافة ونزيهة لمواكبة الثورات العربية والتحولات الهائلة التي صنعتها التي ستزيد من عزلة إسرائيل ومأزقها وتسهل في المقابل الصمود الميداني الفلسطيني إلى حين تبدل موازين القوى الإقليمية والدولية وإجبار الدولة العبرية على الانصياع للشرعية الدولية، علماً أن تصرفات هذه الأخيرة تنحو باتجاه مزيد من الانعزال والتطرف وفق نموذج جنوب إفريقيا العنصري ما يقدم وصفة الحل النموذجية والمناسبة وحتى الواقعية أيضاً.